قصة صاحب الجرة التي رواها النبي ﷺ

قصة صاحب الجرة من صحيح السيرة النبوية

قصة صاحب الجرة تُعد من تلك القصص التي رواها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سياق تعاليمه النبوية. العبرة الرئيسية من هذه القصة تكمن في أهمية الأمانة وصدق التصرفات، إذ تعتبر الأمانة كنزًا لا يفنى. إضافة إلى ذلك، فإن الالتزام بالأخلاق الصالحة والقيم الإنسانية يساهم في تحسين العلاقات الإجتماعية والتفاعلات القيِّمة بين الأفراد والمجتمع.

قصة صاحب الجرة

وُردت إلينا قصة صاحب الجرة في السيرة النبوية التي روها لنا الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -.

ماهي قصة صاحب الجرة التي رواها النبي ﷺ؟

قصة صاحب الجرة تعد قصة من قصص الهدي النبوي التي رواها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( اشترى رجل من رجل عقاراً له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرّة فيها ذهب، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني؛ إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب، وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد ؟، قال أحدهما: لي غلام، وقال الآخر: لي جارية، قال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه، وتصدق).¹⁾

تفاصيل قصة صاحب الجرة 

⁽*⁾ قصة أخرى رواها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أيضا في زمن من الأزمان ـ ولا يهمنا هذا الزمن ولا مع من حصلت لهم هذه القصة ـ. هذه القصة لرجلٍ صالحٍ أراد أن يشتري عقارا. ـ رجل في خير أراد أن يشتري أرضًا ـ. فذهب إلى رجل عنده أرض ومزرعة فاشتراها منه. ومرت الأيام يحرث هذا الرجل الصالح في هذه المزرعة يحفر، يحرث، يبني، يجدد في هذه المزرعة، وهو يحفر في هذه المزرعة ويحرث فيها إذ وقع الفأس والمعول في صندوق، حفر الأرض، أخرج الصندوق فإذا هو ممتلئ ذهبًا وفضةً ومجوهرات وخيرات، كنز وجده داخل هذه الأرض التي اشتراها من ذلك الرجل. الآن من يدري عنه؟ -ما من أحد-. اشترى الأرض فأصبحت ملكه. وفي النهاية لا أحد يراه. إلا من! إلا الله رب العالمين. ماذا سيفعل هذا الرجل؟ تخيل لو أنت مكانه. إشتريت أرضًا ووجدت داخلها كنز. ما ستفعل يا عبد الله -ماذا ستفعلين يا أمة الله-؟ ربما هذا الكنز يغير حياتك كلها. ربما يعيشك بنعيم طول العمر. ماذا ستفعل؟ وماذا ستصنع؟

ماذا فعل هذا الرجل؟ هل احتفظ بالكنز لنفسه؟  ماذا فعل هذا الرجل؟ ماذا صنع بهذا الكنز؟ وماذا صنع صاحب الأرض الأصلي مع هذا الكنز؟

ولأن الرجل كان صالحًا تقيًا ورِعًا، يخاف من ربه عزّ وجلّ ولا يريد شبهة في أمواله ولا يريد شيئًا فيه شك، أخذ الكنز وذهب مباشرة إلى صاحب الأرض. سلّم عليه فرد السلام فقال له هذا الكنز لك. قال ماذا؟ وأي كنز هذا. ولما لي؟ قال حفرت أرضك فوجدته داخل الأرض. قال لا.

- أنظر الآن العجيب ليس فقط فِعل هذا الرجل، بل فِعل أيضا صاحب الأرض ـ ، قال: لا. قال: لما لا! قال: بعتك الأرض وما فيها، الأرض لك وما فيها. هل رجع الآن صاحب الأرض بالكنز لأنه حلّله؟ قال: لا بل الكنز لك أنت. قال: لا والله لك. قال: أنا اشتريت الأرض ولم أشتري ما فيها خذ الكنز وخلصني منه. قال صاحب الأرض: بل بعتك الأرض وما فيها، هذي نيتي أنا أقول لك الكنز حلال عليك.

ـ هذا يرمي الكنز على هذا وهذا يرمي الكنز على هذا، أي أمةٍ هذه؟ اي نفوسٍ هذه؟ أي أمانةٍ؟ أي تقوى؟ أي ورعٍ هذا؟ ما شاء الله ـ.

إختلف الإثنان كل منهما يريد أن يعطي الكنز لصاحبه. فذهبا الإثنان إلى القاضي، كل واحد يشتكي على الثاني. فجاء القاضي بالإثنين، سمع حجة هذا قوية، وسمع حجة هذا قوية.

وكان القاضي عادلا حكيما. قال لصاحب الأرض ألك أولاد أو بنات؟ قال نعم. عندي بنت واحدة. قال للذي باع الأرض عندك أولاد أو بنات؟ قال نعم عندي ولد واحد. فقال القاضي ما رأيكم أن تزوجوا البنت للولد وتنفقوا عليهما هذا الكنز فيعيشان عليه ويكوِّنان حياتهما منه. فقبِل الأول بهذه الفكرة وقبِل الثاني. فزوجا البنت الولد وعاشا حياة مباركة بهذا الكنز.⁽*⁾

العِبرة من قصة صاحب الجرة

القصة تبقى مصدرًا مفتوحًا للقراءة والاستفادة حيث تقدم دروس وعبر لكل من يطالعها. تبرز القصة قيمًا متعددة، بدءًا من القناعة الواضحة في البداية، مرورًا بالعفة والتنزه التي تظهر لاحقًا، وصولاً إلى الحكم والفهم السديد الذي يظهر في الشخص الثالث. هذا يجعل القارئ يتساءل حول أي من هؤلاء الأشخاص هو الأفضل.

« آية قرآنية » ⁽²
﴿ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ۚ إن الله نعما يعظكم به ۗ إن الله كان سميعا بصيرا ﴾

وقفات مع قصّة صاحب الجرة 

هذه القصة تشير إلى عدة قيم ومفاهيم مهمة:

  • أداء الأمانة ضروري: يجب أن يكون الناس أمينين في أعمالهم وتعاملهم مع الآخرين.
  • القناعة هي كنز: تعني أن الرضا بما لديك وعدم الطمع فيما ليس لك هو مصدر للسعادة والبركة.
  • الرضا بما أعطاه الله يجعلك غنيًا: عندما تكون مقتنعًا ومرتاحًا بما قسمه الله لك، ستعيش حياة غنية بالنعم.
  • الرزق مقسوم: تعني أن ما تحصل عليه من رزق محدد مسبقًا، وسيأتي لك في الوقت المناسب.
  • الالتزام بالحلال وترك الحرام: ينبغي للمسلم أن يعمل بمصداقية وأمانة ويتجنب الأمور المحرمة والطمع في ما ليس له.
  • العمل الصالح يجلب السعادة: الأعمال الصالحة والأخلاق الحميدة تضمن السعادة في الدنيا والآخرة.
  • الحكم العادل يرضي المحتكمين: يشير إلى أن القرارات العادلة والمنصفة تسعى إلى إرضاء الجميع.
  • عدم الطمع فيما ليس للإنسان: يجب تجنب الطمع في ممتلكات الآخرين أو الأمور التي لا تخصنا.

الشاهد من القصة: الحكم والأخلاق الإسلامية

نعم، قصة صاحب الجرة التي رواها النبي ﷺ تعد قصة من قصص الهدي النبوي التي رواها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهي قصة جميلة تعكس بعض الحكم والأخلاق الإسلامية.
في هذه القصة، نرى رجلين قد اشترى أحدهما عقاراً من الآخر. فوجد المشتري في العقار جرّة فيها ذهب. فطالب البائع برد الذهب، قائلاً إنه لم يشترِ الذهب، وإنما اشترى الأرض فقط.
رفض البائع رد الذهب، قائلاً إنه باع الأرض وما فيها. فتحاكما إلى رجل ليحكم بينهما. فحكم الرجل الحكمة، فقال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه، وتصدقوا. وهذا الحكم يعكس بعض الحكم والأخلاق الإسلامية، منها:

  • أهمية الحكم بالعدل والإنصاف.
  • أهمية الإصلاح بين المتخاصمين.
  • أهمية التوفيق بين الحقوق المادية والمعنوية.

حكم الرجل بالعدل والإنصاف، ولم يحكم لمشتري العقار بالذهب، لأنه لم يشترِ الذهب. كما حكم بالعدل والإنصاف، ولم يحكم للبائع بالذهب كله، لأنه لم يسلم المشتري الأرض وما فيها.

كما أن الحكم يعكس أهمية الإصلاح بين المتخاصمين، حيث سعى الرجل إلى التوفيق بين الرجلين، ولم يحكم لصالح أحدهما على حساب الآخر.

وأخيرا، فإن الحكم يعكس أهمية التوفيق بين الحقوق المادية والمعنوية. فحكم الرجل بأن ينفق الزوجان على أنفسهما من الذهب، وأن يتصدقا منه. فهذا الحكم يلبي الحق المادي للزوجين، ويلبي الحق المعنوي، وهو إعانة الفقراء والمساكين.

وهكذا، فإن قصة صاحب الجرة تعد قصة جميلة تعكس بعض الحكم والأخلاق الإسلامية.

« الشاهد »
باختصار، هذه القصة تؤكد على أهمية الأمانة، القناعة، والرضا بقضاء الله، وتشجع على الاعتماد على الأسباب المشروعة لكسب الرزق والتعامل بأخلاقية وعدالة.

◈֍◈
نرجو أن تكونوا قد استمتعتم بالموضوع

📖 المـراجـع:

1.¹⁾ المصدر : [متفق عليه]. رواه البخاري برقم (3285) ومسلم برقم (1721) وغيرهما.

2.⁽*⁾..⁽*⁾ المصدر عن لسان الشيخ نبيل العوضي، قصة صاحب الجرة (اليوتيوب-بتصرف-.

3.⁽² المصدر :[سورة: النساء | الآية:58].